فنون تشكيلية - معارض عامر فتوحي في بيت الجنون
فنون- فاروق يوسف


1
لغز إستفاهمي يحيط بأعمال عامر فتوحي التي يعرضها في معرضه الشخصي الثاني المقام على قاعة الرواق. هذا اللغز يجعلنا نتبارى في فضح سلبياتنا تجاه العالم المحيط من أجل الخلاص بأنفسنا أو في الأقل الحصول على أي دليل يثبت براءتنا من المساهمة في إعلاء صرح القبح على حساب القيم الإنسانية المفقودة.

ماذا يستفيد الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟
هذا السؤال أساس من المفترض أن يقيم الإنسان عليه صلته بالعالم من جهة وبنفسه من جهة أخرى بمعزل عما يمكن أن ينتج عن هذه العملية من حسابات الخسائر والربح في إداء الإنسان الجماعي . قد نتفق، نوعاً ما في تفسير الجانب المرئي من هذا السؤال، وهو الجانب المتعلق بالأهداف غير أننا وكل من منطلقه العقائدي ورؤيته لقدرات الأنسان ووجوده، لا بد وأن نختلف في تفسير النتائج. وعامر فتوحي يستفيد مما يوفره هذا الجدل من تناقضات مرئية. واللوحة بالنسبة له هيّ ساحة مفتوحة لعرض هذا السيل المعقد من التناقضات.

صحيح أن أستلهام المطلق والإتكاء على ما يوفره من قناعات قد تكون معظمها تجسيد لوهم - هو في حد ذاته تعبير عن نزعة هروبية تعتمد عدم المواجهة أساساً لها- غير أنه -عامر فتوحي- يحاول جاهداً أن أن يتخلص من هذه النزعة من خلال التوفيق بينها وبين حضور العالم ولكن بوجهه المظلم ، السلبي.

أن الإنسان بالنسبة لفتوحي وهو يعيش صراعه مع العالم، لا يستلهم إرادته وقوة نوازعه، وإذا فعل ذلك فهو الخاسر، بل أنه ما دخل هذا الصراع إلا من أجل تأكيد هويته الماورائية، وإنتمائه للمطلق، والذي لا يقبل التجسيد. لذلك نرى أن شخصياته فاقدة لأحاسيسها ومشاعرها الإنسانية ، فهي تتحرك مسلوبة الإرادة - منزوعة القوى- وسط عالم يؤكد إستلابها.

2
أسلوبياً، أن المواضيع التي شاء عامر فتوحي معالجتها أوقعته بإتجاه الواقعية-النقدية خاصة وأنه لا ينوي الأعتراض أو المخالفة بقصد تقديم البديل، ذلك أن هذا البديل برأيه مرتبط بصلة الإنسان المفتوحة بضمير مطلق، نقي - معبأ بالأحلام البعيدة.
وبشكل عام فأن إستغراق الرسام في أفكاره وتشبثه بما يمكن أن يعود به على موضوعه جعله أسير رغبة مضمونية جامحة، هذه الرغبة أدت إلى غياب حركة الشكل الذاتية، قدرته على أن يكون مؤثراً بمعزل عن ما يوحي به أو يدل عليه أو يحيل عليه إيحاءً.

أنطوى معرض (بيت الجنون) على مفاجأة سر لها الكثيرون، لما لها من معان على صعيد التعامل الأدبي والفني. وهذه المفاجأة هيّ قيام الرسام بعرض مجموعة من لوحات (البورتريت) التي تمثل عدداً من وجوه أصدقائه من الرسامين والشعراء.
ربما يدعي الرسام، أن أختياره لهذه الوجوه دون غيرها مرتبط أصلاً بقراره الفكري الذي نوّه عنه في مجموعة أعماله الأولى - وقد يدعي أنها مجرد تجارب أسلوبية في رسم (البورتريت)، غير أن الأمر يتجاوز كلا الإدعاءين ليعبر عن رغبة حميمة في الإلتقاء بالآخر، معانقته، معرفته، إستدعائه للمشاركة الوجدانية.

أن عامر فتوحي هنا يعبر عن لحظة مفقودة من عصرنا الثقافي تلك هيّ لحظة الصداقة، التي تفتح الأبواب أمام الجميع بأتجاه خطاب من نوع خاص به من البوح والأفصاح ما يجعله من أهم سبل الكشف الإبداعي. ويمكننا أن نفهم هذه الدعوة من خلال قيام الرسام برسم شخصياته بخطوط بسيطة وألوان صارخة أقرب إلى ألوان رسامي المدرسة الشعبية في أميريكا.

لقد رغب الرسام أن يقدم صرخته من خلال وجوه أصدقائه وأتصور أنه نجح في ذلك.

مجلة فنون (بغداد) - العدد 278 - 7 / تشرين الأول/ 1985م