عامر فتوحي في (بيت الجنون) ... لا لإجترار الشناشيل !
بغداد - (كل العرب)


كلما ألتقيته في جلسة أو أمسية ثقافية ، كانت تثيرني فيه تلك النظرة الحالمة والهدوء . فهو من النوع الذي يفضل أن يتصل مع الآخر بإيمائة من عينيه أو أصابعه ، غير أنه إذا ما أراد الخوض في موضوع ما فأنه يسترسل في شبه صلاة ، وهو في كل هذا محكوم بعفوية غير أنها تحوي صلابة ودقة وموضوعية ، وعامر فتوحي الذي يعرفه المهتمون بالفن التشكيلي في العراق رساماً ومصمماً وناقداً تشكيلياً شاباً وواعداً ، طلع علينا مؤخراً بمعرضه الشخصي الثاني (بيت الجنون) في قاعة الرواق ببغداد ، وكان أن أعادت القاعة عرض أعماله بعدما قدمت بالأتفاق مع المركز الثقافي الفرنسي في بغداد الفنان الفرنسي ميشال لوكونت . وعلى هذا الهامش كان الحوار معه :

♦ يلاحظ أنك غالباً ما تختار أسماء فخمة وكبيرة لأعمالك ، هل تعتقد أنها ملائمة لما تريد أن تقوله ؟ وهل ثمة علاقة بين (بيت الجنون هذا) و (الزمن الصعب) معرضك الشخصي الأول عام 1981؟
♦ يعتقد البعض أن التصدي للموضوعات الكبيرة عملية محكومة بالفشل واللاجدوى ، وينبغي لمن يتصدى أن يكون فناناً كبيراً ومعروفاً وإلا أتهم بالتقليد ومحاكاة رسوم فناني الغرب ، وكأن ثقافة الفنان لا تشفع له بتصديه هذا ، وهنا ينبغي لي أن أشير إلى أن لكل رقعة في العالم خصوصيتها في الزي والعادات وغيرها ... غير أننا بفعل وسائل الإتصال الثورية تقنياً أصبحنا جميعاً محكومين بمصير واحد ، لأننا لا نعيش بمعزل عما يحدث عند الآخرين .
أما دعوة البعض إلى التمسك بإجترار التراث ومحاكاة الموضوعات الفلولكلورية (الحرفية) وتصوير الأهوار والشناشيل في السنوات الأخيرة من القرن العشرين ، فأنني لا أقف معها كما أنني غير مرتبط بها ضميرياً ، وأعتقدها دعوة تكشف عقم الداعين لها كما أنها تمثل خيانة لأنجازات الرواد الأوائل ، جواد سليم ، فائق حسن ، كاظم حيدر ، محمود صبري ، شاكر حسن آل سعيد ... موضوعي الرئيسي هيّ الحرب ، وأنا لا أقصد هنا حرباً محددة وإنما أشير إلى خطر الحرب الكونية القادمة ، وأود أن أسأل هنا : من منا لم ترعبه فكرة الموت اللحظي وبشكل بشع؟ أنا أعيش خوفي ؟ وهو خوف صادق ومبرر .

♦ ولكن ماذا عن أسلوب الدخول المزدوج في التقنية والمعالجة ؟
♦ الحق أنا لا أعرف لماذا ينبغي على الرسام أن يلتزم بأسلوب واحد. أنا لا أحب الأستقرار وأشعر أن في داخلي قبيلة من الغجر. كل ما يهمني أن أرسم بشكل يمنحني المتعة حتى لو أدى أدى ذلك إلى أشتعال الحرائق في العيون ، وإذا ما أخذنا المواضيع التي قدمتها بأسلوب التشخيصية الجديدة ، تجد أنني أعتمدت تقديم سيناريو يعتمد فكرة صريحة ، ولكنه لا يراعي نمو الحدث وإنما يدخل إلى العين دفعة واحدة، فهنا مزج بين عملية التداعي (الإستذكار الكيفي) والحدث المتوقع (قفز على الزمن) . أن هذه المعالجة تنقذ العمل من الوقوع في مطب الإنشائية الكلاسيكية وتمنحه دفقاً أكبر من الحياة والتواصل مع المتلقي، كما راعيت في موضوعة البورتريه (المعالجة بمادة الأكريلك) أن أعكس من خلال عدد من الشخصيات العراقية المبدعة موقفاً من الحياة والمحبة والسلام، ولكي أخلص من آثار الأكاديمية أرتأيت الإستفادة من النتائج التي توصلت إليها كل من التعبيرية الألمانية ولاسيما تكنيك الفنان الروسي الأصل (ألكس يافولونسكي) وما توصلت إليه حركة البوب آرت الأمريكية على صعيد اللون .

♦ قلت التشخيصية الجديدة هل هذا مصطلح جديد وبالتالي هل ينطبق على مجموعة البورتريهات؟
♦ أنه مصطلح مستخدم، ولكنني عندما أردت أن أعبر عن أفكاري بالكلمات وجدت هذه العبارة هيّ الأنسب في التعبير عن هذه الأفكار، فالتشخيصية الجديدة وفق ما أراه هيّ تلك المعالجة الشكلية التي تعمد إلى تصوير الأحداث والوقائع بشكل يمتزج فيه الحدث الماضي بالحاضر مع ما هو متوقع (مستقبلي) نتيجة لتحليل موضوعي لواقع البنيان الإجتماعي ومحصلة الوقائع الحياتية الأخرى، آخذا بنظر الأعتبار أهمية الدور الذي يلعبه الحضور الفردي في صياغة هذه النتائج، مع التأكيد على الأحداث التي تمثل ذروة الصراع كما في لوحة شرق (سقوط الإله الأبن) وتداخل الزمان والمكان في لوحتي (بيت الجنون) و (إيلي ... إيلي ... لما شبقتني)، كما أردت أن تعكس الألوان (جوانية) الشخوص.

♦ وما مشاريعك المستقبلية؟
♦ أنا من النوع الذي يحلم كثيراً، لذا فأن مشاريعي لا تحصى، ومع ذلك فأنا أتهيأ على المدى القريب للمشاركة في مهرجان الواسطي، وفي نيتي المساهمة في أنجاح معرض جمعية الفنانين الناطقين بالسريانية الذي سيكرس للقديس الشهيد مار بهنام بمناسبة تكريس هذا العام للإحتفاء بذكراه ، أما بخصوص الكتابة في الفن التشكيلي والتي قللت منها في الشهور الأخيرة فأنا بصدد تكثيف حضوري في الصحف العراقية، لاسيما المجلة التي أدين لها بكثير (مجلة فنون)، كما أنني سأسعى لأن تأخذ جهة مسؤولة ما على عاتقها طبع وتوزيع الكتاب الذي أعمل فيه والذي يتناول أبعاد وآفاق تجربة التشكيليين الشباب في العراق للسنوات 1980-1985م والذي لم تتح لي فرصة أنجازه بمناسبة السنة الدولية للشباب ...

كل العرب - العدد الرابع والسبعون بعد المائة - الأربعاء 25 كانون الأول / ديسمبر 1985م

* تعليقات .. اللوحتان الوسطيتان والصورة الشخصية:
من أعماله: أعيش في بيت الجنون إمتداداً لذعري في الزمن الصعب
كم محزن أن يصير كل هذا الجمال هباء!
الصورة الشخصية: عامر فتوحي على حائط معرضه: (في داخلي قبيلة من الغجر)