فنون تشكيلية كرسيان عند الأفق
ألف باء - مجيد السامرائي


صعب أن تضبط غجراً متمرسين في الفوضى .. صعب أن تجلسهم كما التلاميذ وتلزمهم بالأجابة على الأسئلة التي هيّ في كل الأحوال يمكن أن توصف بالسذاجة لا الصرامة التي تتصف بها الأسئلة المدرسية ..

ألف باء: قالا لي بلسان واحد قبل الأمتحان: (سنقوم بنصب خيامنا مثلما يفعل أي غجري متمرس على الأرض التي نشاء ونرتوي من النبع الذي نريد).
أثنان من بين خمسة مجددين هما (عامر فتوحي ومحمد حسين عبد ألله) والجماعة أطلقوا على أنفسهم أسم (أفق) وقالوا أن دعوانا (أتبع حلمك!).
وقالوا أيضاً (أن لقاءنا كجماعة ما هو إلا محاولة جادة لملء الرئتين بقوة وعمق بهواء لم تعلق فيه غير رائحة الشباب ..).
□ عند محمد كرسيان ومائدة منحوتة بشكل إستفزازي وأنيق ..
□ وعند عامر كرسي أستغل بعض أجزائه ليرسم عليها.
وزعت أسئلتي البسيطة عليهما وجلس أبناء (الأفق) كما التلاميذ المسكونين بخوف القاعات يكتبون وثالثهما الصمت وكراس مبثوثة دون نظام ..

- الكرسي والمائدة والسندان هيّ مفرداتي التشكيلية.
- يجيب محمد محمد حسين عبد ألله- عن أسئلة محذوفة .. هذه المفردات بسيطة وأليفة ولكنها تحتوي على عالم متخم بالرؤى والأنفعالات، لا بما كان فيها، بل بما يمكن أن تثيره في ذهن المتلقي، هذا المناخ الذي ولد وتولد في هذا العمل كان نتيجة لإدراكي المسبق للعلاقة بين وحدات الموضوع .. الكرسي والمائدة هنا لغرض نحتي صرف .. وطريقة الإستخدام كانت إيحائية بعيداً عن الوظيفة المادية للكرسي والمائدة .. لا بد من أطلاق العنان للمتلقي كي يعمل خياله فيهما ..

الكرسي الأول - عندي - يرمز للرجل ! المتمثل بأقدامه الأمامية وآثار جلوسه على المقعد وآثار يديه على حافة المنضدة وهذا التكوين أعطى للرجل حالة أنتظار .. وجود آني .. أما المرأة التي أمامه والمتمثلة بالكرسي بثدييها على واجهة الكرسي دون أن أعطيها أي وجود آني إلا في مخيلة الرجل الذي ينتظرها ولم تأتِ بعد !!
وعلى الرغم من وحدات العمل الثلاث والتي من الممكن تسميتها رجل وأمرأة ومائدة، والتي بالأمكان عرض كل عمل على حدة لتكوين موضوع ما .. ولكن هنالك وحدة ضمنية تجمعهم . كل هذه الوحدات قادرة منفصلة ومجتمعة على الإستفزاز!

□ وإستخدام الكرسي في الفن ليس جديداً - يقول عامر فتوحي - فقد أستخدم من قبل عالمياً ! فمنذ فترة الخمسينات تناوله فنانو (البوب آرت) مروراً بفناني (الهيبرريالزم) نحتاً ورسماً كما أستخدم في الملصق من قبل عدد من الفنانين كالدنماركي (بو بيندكسن) والفلنديين (رايمو كانيرفا وبيكالويري) والفرنسي (آلن لوكيرنك) كما ورد بشكل أو بآخر في أعمال تنتمي إلى فترة ما قبل الحداثة وفترة تأسيس الفن الحديث كما في الكرسي الشهير (لفان كوخ) والحق أن المبدأ الذي أعتمد عليه فنانو (البوب) والهيبررياليون كان أساساً يدور حول خلق الصدمة عند المتلقي . أي كان هناك ما يمكن أن نطلق عليه مجازاً (اللعب البصري) أما بالنسبة لي فالمسألة مختلفة تماماً وبالطبع فأنت لم تر إلا الكرسي الذي عرض في المعرض التأسيسي لجماعة (أفق) .. عندي كراس أخر فيها لغة تخاطب بيني وبين المتلقي ..

□ بين كرسييهما خلاف وميزة يقول عامر عن كرسي محمد: كرسي محمد يعتمد العلائق الشاعرية والخطاب الروحي . ويقول عامر عن كرسيه .. أنا في كرسيي أعتمد حالة قاسية بشكل حاد ومأساوي ولعل التفاصيل التي تتوزع عملي لتكشف وبشكل جلي عن هذا التفرد .. شيء آخر: محمد كنحات قدم عملاً نحتياً خالصاً فيما قدمت أنا مزاوجة كضرورة وليست كحالة مقحمة إذ أن الرسم هنا - والذي هو عبارة عن تفاصيل من أعمال شهيرة (لوحة الغورنيكا ولوحة الحرب والسلام لبيكاسو) - قد أعطى للكرسي زخم إيحائي في أعتماد التضاد بين المقعد الأسود والنهايات الحمر السفلى لأطرافه ..

□ أذن الكرسي يا عامر لم تستخدمه للإدهاش كما الكركدن والمرأة عندك .. - أبداً .. الموضوع دائماً يتطلب شكلاً أخراجياً جديداً ، على الفنان أن يصنع مفرداته الفنية بنفسه .. الكركدن كبير الجثة ، متمكن من سحق كل ما يقف أمامه كما أنه من بقايا عصر الداينصورات المنقرضة لذا فهو برغم ضخامته عنوان لكل ما يمكن أن يؤثر في حياتنا بشكل فاجع ومأساوي وفي الوقت عينه لا يخضع لمنطق العقل إنما هو قوة غير معقلنة !
المرأة رمز إيروسي (حسي) لا بد من الإهتمام بها حفاظاً على النوع في مواجهة الفناء !
الغجر المتمرسون نصبوا خيمة عند الأفق وقالوا:
... لسنا مع اللاأسلوب أننا غير نمطيين .. نحن أبناء حضارة عريقة .. وأبناء تراث إنساني كبير !!

مجلة ألف باء (بغداد) - العدد 1025 السنة العشرون الأربعاء 18 / أيار/ 1988م