الفن الذي سيأتي
في المعرض المشترك لعامر فتوحي وبرهان صالح محمد
الرافدين / بغداد - حسين الحسيني


(الحصار أو الفن الذي سيأتي) تحت هذا العنوان أقيم المعرض المشترك للفنانين عامر فتوحي وبرهان صالح محمد / مركز صدام للفنون 16/5/1992م.
بالنسبة لعامر فتوحي أقام معرضه الشخصي الأول / الزمن الصعب / عام 1981م الذي ضم أعمالاً تناول فيها موضوعة العنف والجنس في حياتنا المعاصرة بأسلوب رمزي وأختزال في التفاصيل. وفي عام 1985م أقام معرضه الشخصي الثاني تحت عنوان / بيت الجنون / الذي ضم أعمالاً تناولت ذات المحور الذي تناوله في معرضه الأول ولكن بمعالجات أسلوبية أعتمد فيها أسلوب (التداعي) وفق تكوينات تشخيصية تقترب من الواقعية المفرطة (الهيبرريالزم).
وفي عام 1986م أسس (جماعة أفق) بالأشتراك مع الفنانين برهان صالح محمد ، محمد حسين عبد ألله ، هيمت محمد علي ، ومحمد بن مهذول وكتب البيان التأسيسي للجماعة تحت عنوان / أتبع حلمك / وقدمت الجماعة معرضين الأول في قاعة الرواق والثاني في قاعة التشكيليين العراقيين عام 1987م.

في هذا المعرض شارك عامر فتوحي ب (17) عملاً تندرج تحت ثلاثة محاور الأول يتمثل في أستخدام (الكركدن) والثاني أسقاط ما يشبه البحث في التراث العراقي الرافديني القديم المتمثل في أستخدام المفردات البصرية (الأوروكية) - سومر الألف الرابع ق.م- مع أستمرار تأكيده على مفردة (الكركدن) بعد أجراء عدد من عمليات الشطب والتورية والأختزال عليه. وأعتمد في المحور الثالث على الطاقة البلاستيكية للمفردة البصرية (الأوروكية) وتقديمها كمنجز تشكيلي محض وليس كدلالة لغوية.
هذه المحاور الثلاثة إبتداء من / ثلاثية الغزاة / وإنتهاء / بحصار مدينة / أعتمد فيها المعالجات التقنية وفق رؤية -كما سماها عامر فتوحي- الفن الذي سيأتي .
في المحور الأول الذي يتألف من ثلاث قطع (175سم x 125سم و150سم x 75سم و125سم x 50سم) والمنفذ بمادة الأكريلك على الكانفاس/ خاصة في لوحة (الغزاة) حاول أن يبرز ويسخر في آن واحد - من اقتدار القوى الغازية- وفق مفهوم ساخر يقترب من الكوميديا السوداء وقد وفق بالسخرية من هذه القوى بإستخدام الألوان المتضادة.
في أعماله الأخرى أستلهم الميثولوجيا العراقية عبر أعمال (كنكو) رمز الشر في الميثولوجيا ، وفي لوحة / التكوين / تناول موضوع بدء الخليقة إبتداء من الهيولى بتقنية متضادة للسطوح محققاً ذلك بسكين الرسم من ناحية وبالفرشاة من ناحية أخرى.
أما المحور الثاني / الأعمال الورقية / فقد واصل فيه استلهامه للميثولوجيا العراقية للتعبير بشكل رمزي عن حالات معاصرة معززاً ذلك برموزه (الأوروكية) بعد أسقاطها على الكركدن وفق معالجات لونية وتقنية (المونوتايب).
المحور الثالث يبتديء / بثلاثية الحرب / التي تتألف من ثلاثة أعمال هيّ / جنون/ جنود/ و/ رجل من قش/ وثلاثية أخرى بعنوان /الحصار/ التي تتألف من / حصار مدينة / و/ حصار رجل / و/ حصار روح / .
أعتمد فيها الفنان على مفرداته البصرية (الأوروكية) بشكل خالص للتعبير عن حالة الغليان التي تمور بها النفوس في ظل الحصار .. وأستخدم فيها معالجات تقنية مستحدثة من خلال أخراجه للرموز الأوروكية وفق تصور تعبيري معتمداً على أكتشاف الهيأة الجديدة للشكل الأوروكي بعد أقصاء دلالته اللغوية مؤكداً على التضاد في السطوح من خلال الملمس البصري (التكسجر) المتبدل بين اجزاء العمل الفني.

أما الفنان برهان صالح محمد فقد درس فن الكرافيك لسنتين في أكاديمية الفنون الجميلة / ايطاليا وأقام معرضه الشخصي الأول عام 1982م والثاني عام 1986م وساهم في معرضي جماعة أفق في قاعة الرواق وجمعية التشكيليين العراقيين عام 1987م وفي المعارض الجماعية الأخرى منذ عام 1980م ومنها مهرجان الواسطي الثالث والرابع والخامس والسادس والمعرض العالمي لفن الملصقات ومعرض الفن العراقي المعاصر وغيرها.
أما في هذا المعرض فقد شارك ب (23) لوحة (17) منها مواضيع على الوجه البشري يبدو الوجه الذي يرسمه برهان صالح محمد مكتنزاً بالتعبير عن أكثر من حالة متوغلاً في أعماق النفس حتى لكأنه يحاول أن يعكس في الوجه من خلال اللون وتداخل الخطوط حركات الأنسان كلها .. ويبدو أن معظم أشكاله توحي بأزمة روحية حادة معمقاً أياها بضربات لونية حادة جداً على الورق أو القماش وهو يركز على العيون في دراسته للوجه معتبراً أياها مفتاحاً للتعبير عن مختلف الحالات النفسية. في الحفر على الخشب بالذات يعتمد برهان على الخطوط الحادة وعلاقتها مع الخطوط اللينة والمنحنية لإيصال فكرته أو موضوعه.
وأرتأى أن يقدم الكليشة (الخشبة المحفورة) بعد معالجتها بأحبار الطباعة الأخرى المنفذة على الورق ، فقد قدم مجموعة من التجارب التي تمتاز بتقنية عالية وقدرة تعبيرية عن موضوعه الأثير / الوجه والجسد / .
وفي أعماله الأخرى المنفذة على الورق بمواد مختلفة أستعان بمعرفته الطباعية لأنجاز أعمال مرسومة بأدوات حفر وأحبار طباعة وأحبار أخرى معتمداً في ذلك على التضاد ما بين الكثافات اللونية ومستويات العتمة والشفافية في اللون. وقد جاءت أعماله بحركتها القوية موحية بما يشبه (العصابية) في التعبير النفسي.
وأخيراً نقول أن حالة العشق للوجه المتخيل قد منحت أعماله الورقية بالذات روحية ضاجة ومنحتنا أعمالاً نستطيع أن نتواصل معها ونتبادل معها حوارات لا تنقطع.
الرافدين (مجلة أسبوعية عامة) - العدد 35 السبت 27 / حزيرن/ 1992